tajakant

lundi 14 mars 2011

في التوبة من المعاصي


في التوبة من المعاصي
أن الذنوب حجاب عن الله، والانصراف عن كل ما يُبعد عن الله واجب، وإنما يتم ذلك بالعلم والندم والعزم، فإنه متى لم يعلم أن الذنوب أسباب البُعد عن الله لم يندم على الذنوب ولم يتوجع بسبب سلوكه طريق البعد، وإذا لم يتوجع لم يرجع، والتوبة: الرجوع عن المعصية إلى الطاعة وهي واجبة من كل ذنب، فإن كانت المعصية بين العبد وبين ربه تعالى لا تتعلق بحق آدمي، فلها ثلاثة شروط:
الأول: الإقلاع عن المعصية التي هو متلبس بها، وعلامته مفارقة الذنب فوراً.
الثاني: الندم على فعلها، وعلامته طول الحزن على ما فات وورد عن ابن مسعود t، أن رسول الله r قال: «الندم توبة».
الثالث: العزم أن لا يعود إلى معصيةٍ أبداً، وعلامته التدارك لما فات وإصلاح ما يأتي، فإن كان الماضي تفريطاً في عبادة قضاها، أو مظلمة أداها، أو خطيئة لا توجب غرامة حزن إذ تعاطاها.
فإن فُقد أحد الشروط الثلاثة لم تصح توبته. وإن كانت المعصية تتعلق بآدمي، فشروطها أربعة، الثلاثة الشروط المذكورة.
والرابع: أن يبرأ من حق صاحبها، فإن كانت مالاً أو نحوه رده إليه، إن كان موجوداً أو رد بدله عند تلفه من قيمةٍ أو مثلٍ، وإن كانت حد قذف ونحوه مكنه منه أو طلب عفوه، وإن كانت غيبة استحله منها إن كان عاقلاً حليماً، يغلب على الظن أنه إذا جاءه أخوه المسلم نادماً تائباً عفا عنه وسامحه، وإلا فليستغفر له؛ لما ورد عن أنس قال: قال رسول الله r: «إن من كفارة الغيبة أن تستغفر لمن اغتبته تقول: الله اغفر لنا وله».
وروى البخاري في صحيحه عن أبي هريرة عن النبي r قال: «من كانت عنده مظلمة لأخيه من عرض أو مال فليتحلله منه اليوم قبل أن لا يكون درهم ولا دينار، إن كان له عمل صالح أُخذ بقدر مظلمته، وإن لم يكن له حسنات أُخذ من سيئات صاحبه فحُمل عليه».
وقد أمر الله سبحانه وتعالى بالتوبة، وبين ما للتائبين من الكرامة والأجر، فقال: â يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ á.
قال ابن القيم - رحمه الله -: والنصح في التوبة يتضمن ثلاثة أشياء:
الأول: تعميم جميع الذنوب واستغراقها بها بحيث لا تدع ذنباً إلا تناولته.
والثاني: إجماع العزم والصدق بكليته عليها بحيث لا يبقى تردد ولا تلوم ولا انتظار بل يجمع كل إرادته وعزيمته مبادراً بها.
الثالث: تخليصها من الشوائب والعلل القادحة في إخلاصها ووقوعها لمحض الخوف من خشية الله، والرغبة فيما لديه، والرهبة مما عنده، لا كمن يتوب لحفظ جاهه وحرمته ومنصبه ورياسته، أو لحفظ حاله، أو لحفظ قوته وماله، أو استدعاء حمد الناس، أو لهربٍ من ذممهم، أو لئلا يتسلط عليه السفهاء، أو لقضاء نهمته من الدنيا، أو لإفلاسه وعجزه ونحو ذلك من العلل التي تقدح في صحتها وخلوصها لله عز وجل أ.هـ.
وأخبر أنه غفار لذنوب التائبين، فقال عز شأنه: â وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ * أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ á.
وقال تعالى: â وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ á، وأخبر سبحانه أنه يحب التوابين، فقال تعالى: â إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ á.
وقال النبي r: «يا أيها الناس توبوا إلى الله واستغفروه فإني أتوب في اليوم مائة مرة» رواه مسلم.
وقال r: «والله إني لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة» رواه البخاري.
وقال r: «لله أشد فرحاً بتوبة عبده حين يتوب إليه من أحدكم كان على راحلته بأرضٍ فلاة فانفلتت منه وعليها طعامه وشرابه فآيس منها، فأتى شجرة فاضطجع في ظلها وقد آيس من راحلته فبينما هو كذلك إذ هو بها قائمة عند فأخذ بخطامها، ثم قال من شدة الفرح: اللهم أنت عبدي وأنا ربك، أخطأ من شدة الفرح» الحديث رواه مسلم.
وقال r: «إن الله تعالى يبسط يده بالليل؛ ليتوب مسيئُ النهار؛ ويبسط يده بالنهار؛ ليتوب مُسئُ الليل حتى تطلع الشمس من مغربها» رواه مسلم.
والأحاديث في هذا كثيرة، والإجماع مُنعقد على وجوب التوبة لأمر الله ورسوله بها؛ ولأن الذنوب مُهلكات مُبعدات عن الله؛ فيجب الهرب منها على الفور، وليحذر الإنسان كل الحذر من الذنوب الكبائر والصغائر، ووجوب التوبة من الكبائر أهم وآكد، والإصرار على الصغيرة أيضاً كبيرة، فلا صغيرة مع الإصرار ولا كبيرة مع التوبة والاستغفار.
وتواتر الصغائر عظيم التأثير في تسويد القلب وهو كتواتر قطرات الماء على الحجر، فإنه يُحدث فيه حفرة لا محالة مع لين الماء وصلابة الحجر. فعلى العاقل أن يسترصد قلبه باستمرار ويُراقب حركاته ويُسجل تصرفاته ولا يتساهل ولا يقول إنها من التوافه الصغار وصدق رسول الله r حيث يقول: «إياكم ومُحقرات الذنوب فإنهن يجتمعن على الرجل يُهلكنه».
وإلى هذا المعنى أشار الشاعر:
ولا تحتقر كيد الضعيف فربمــــــا     تموت الافاعي من السموم
وقد هد قدما عرش بلقيس هدهد     وخرب حفر الفأر سد مأرب

 


وقال الآخر:
لا تحتقرن صغيرا في مخاصمة      ان البعوضة تدمي مقلة الاسد


وكما أن خير الأعمال الصالحة أدومها إن قل، وأيضاً الكبائر قلما تقع من غير سوابق ومقدماتٍ من الصغائر، فمثلا الزنا - العياذ بالله – قلما يقع فجأة بل تتقدم عليه مُراودة أو قبلةٌ أو لمس.
اللهم ارزقنا العافية في أبداننا، والعصمة في ديننا، وأحسن مُنقلبنا، ووفقنا للعمل بطاعتك أبداً ما أبقيتنا، واجمع لنا بين خيري الدنيا والآخرة، واغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين الأحياء منهم والميتين برحمتك يا أرحم الراحمين، وصلى الله على محمدٍ وعلى آله وصبحه أجمعين.



Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire